![]() |
|||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||
Article by Dr Nassif Azzi in "Sada Al Balad" a new Lebanese daily paper. Jan 1,2004. | |||||||||||||||||
رسالةالى آباء المجمَع البطريركي الماروني وفَعَلَتِهبقلمالدكتور ناصيف قزي*****انا ماروني... ولكن!
سؤالٌ بسيطٌ يراودني، كلما استرجَعْتُ في ذاكرتي الوطنَ، ومَن في الوطن، ومَن خارجَ الوطن. سؤالٌ قديمٌ جديدٌ، يعشِّش في مخيِّلتي، مذ طَفَحَ في وجداني وعيٌ كينونيٌّ، أدرَكْتُ به حقائِقَ الأمور. ترى، أيةُ هويةٍ هي تلك التي يمكن للمرء أن يبحث عنها في وطنٍ كلبنان، لبنان كما صارَ في مرحلة ما سمِّي بالسلم الأهلي، بعد أن كان قد ثبتَ، ولعقدين، في دوّامةٍ من الحروب التي اصطَبغت بألف لون ولون؟أيةُ هويةٍ هي تلك التي يحلو لنا، نحن القابعين في لبنان الذي كان، أن نتلبسَها؟ أيةُ هويةٍ قد تكون هويتي؟ أمشرقيةٌ عربية هي، أم لبنانية ميثاقية، أم مسيحية مارونية؟ * أشهد أني مشرقي في عروبتي ولبناني في مشرقيتي. أنا ميثاقيٌّ في لبنانيتي، مسيحيٌّ في ميثاقيتي… وأشهد أني مارونيٌّ في مسيحيتي. أجل! أنا ماروني. لكني من خارج "الجغرافيا الحبريَّة"، تلك التي جرى ترسيم حدودها عبر زيارات صاحب الغبطة في ربوع الوطن والمغتربات. لست شامياً، ولا انا من شمال قبرص. لم أهاجر الى ماساتشوستس، ولا أنتظر سفينة العودة في أزقة بوينس ايرس. أنا من هنا. من منطقة تقع ما بين النهرين، نهر الدامور ونهر الأولي. منطقة ضاربة الجذور في التاريخ، من برفيريون وهداية يونان النبي، الى الإمارة الشهابيَّة "المتمَورِنَة" وسيدة النجاة، مرورا بالإسكندر الفاتح، وزيارة السيد لبيت صيدا، وعبور الرسل الى روما، وبيزنطية وكنائس يوستينيان... وما جاء بعد ذلك من فتوحات وهدي وعرفان وتبشير. أنا ماروني من هنا... من هذا الجزء من جبل لبنان، الذي كثرت فيه المستوطنات، فانقرضت أشجار التوت والخروب واللوز والإزدرخت، ليتغير وجه الأرض. أنا البقيَّة الباقية من جماعة ذاقت من شظف العيش ومرارته، في جيل، ما لم تذقه أية جماعة في أجيال. وكان أن تبَعْثَرَت تلك الجماعة في كل أصقاع الأرض، من سهول البامبا الى ضفاف السان لوران، ومن مدائن المعرفة في العالم القديم الى العالم الجديد، حيث حطَّت الرحال في مدينة سيدني، المدينة التي تعانق المدى. أنا ماروني من هنا... خسرت الكثير الكثير، وأخشى ألا يبقى لي حتى القليل. أنا ماروني من هنا، وأشعر بأني من أية بقعة في لبنان: من غُربَة عكار الى الجرح الحدودي المفتوح، مروراً بطَوق قنّوبين وبلاد البترون وجبيل وكسروان والمتنين وبعلبك والشوف وجزين... وقد تساوى الناس، كل الناس، في الشقاء والحرمان في بلاد الأرز. * وبعد، أنا ماروني ظلمته كل السياسات، المستعرب منها والمستغرب... وحتى المتلبنن. فمن حرمان وعدم رعاية وقلة اعتبار خلال عهود الإستقلال، الى تهجيرٍ وتيئيسٍ على امتداد سنوات الحرب السبعة عشر، فهجرة وفقدان أمل. وقد جاء ذلك بعد قرون من ظلم الإنكشاريَّة وظلاميَّتها، وقساوة الإقطاع المتحالف معها. ناهيك عما علق في لاوعينا الجماعي من اضطهاد المماليك وأشباههم. لم أشعر يوماً أني كنت الى مائدة الوطن، ولم أشترك في أية ورشة أو قرار. كنت كالهامشيِّ الذي يصفِّقُ صبح مساء، بعفويَّة المؤمن وبراءَة الشاهد، لهذا أو ذاك من الذين جاءت بهم الحظوظ ليتولوا أمر الناس. فكان أن ساهموا، بعلم منهم أو بغير علم، بتعاسة الناس. أنا ماروني أنهكته الغربة دون اغتراب. أنا يوسف، ذاك المهاجر البتروني العتيق، الذي وقف في ساو باولو، يحاجج بعضاً من أفراد "الأحزاب السياسيَّة المسيحيَّة" الذين قدموا، في بدايات الحرب اللبنانيَّة، الى البرازيل، بهدف جمع التبرعات وتجييش الناس الى جانبهم؛ وقف يسألهم لماذا لم يُشركوا المغتربين بقرار الحرب، الذي قد لا يوافقونهم فيه، قبل دعوتهم للمشاركة بتمويلها؟ أنا فاذر جيم، كاهن رعيَّة لورنس ماس المارونيَّة في الولايات المتحدة الأميركيَّة، الذي تساءَل في نفسه، مراراً، عن فقدان التواصل بينه وبين الكنيسة الأم في لبنان... وقد كان بمقدوره، في اية لحظة، أن يحوِّل كنيسته المارونيَّة الى لاتينيَّة دون أن يرمش جفن لتلك الجموع الغفيرة التي كانت تصغي الي عظاته وإرشاداته، برهبة وجشوع. أنا ذاك اللبناني الهارب من وطن الدم والدموع، والذي أبلغ الأسقف، بُعيد وصوله الى العالم الجديد، بأنه باقٍ في سيدني الى الأبد. إن فقدان التواصل بين الوطن والمغتربات، على المستويين السياسي والكنسي، هو علامة فارقة مؤسفة، يضاعفها تبعثر المارونيَّة في العالم بين رعاة ورهابين، وكأن بين كنيسة مارون وكنيسة شربل خصام. * أنا ماروني مظلوم... وفوق كل ذلك أنا متهم...! أجل انا متّهم!؟ أنا ماروني = أنا متهم...!؟ أنا في الشرق، كما استطاب بعض المارقين نعتي، حليف الصليبيَّة وربيب الإستعمار. وفي الغرب، مشرقي السُحنَة والهوى، كلما دوَّى انفجار. أنا في الشرق روماني النزوع، أرهقته مجامع العقيدة منذ نيف وخمسة عشر جيلاً. ففيها من الهرطقات والإضطهادات، ما كان يمكن أن يدفع بالناس، لو استطاعوا، الى اختيار الفضاء مسكناً، بدلاً من اليابسة. قد أكون في هذا الشرق، شرق المتألهين وسواطيرهم، مشروع ضحيَّة؛ وفي الغرب، قاتلاً مفترضاً. وإذا كنت مدركاً أني لست هذا ولا ذاك، فإنَّه لمن الصعب عليَّ أن أدافع عن النفس، لجهة ما أدخَلنا به بعض الساسة وبعض رجال الدين من أحلامٍ وأوهامٍ خلال السنوات الأولى للمحنة، أين منها "تكفير الأنكليز" واستعدائهم عشيَّة أحداث القرن التاسع عشر الداميَة. ورغم ذلك أشعر بأني بريء. أنا بريء من كل التهم التي ألصِقَت بي زوراً. فأنا لست داوود ولم أقتل غولييت. لم أسقط من جعبة ريكاردوس قلب الأسد، ولا أنا كشَّاف حملات يسوقها بعض الغرب ضد بعض الشرق، من حين الى حين. لم أتأجنب بالولاء يوماً، رغم ازدواجيَّة اللسان. وكيف أكون من رسم دويلات لا أمل لها بالحياة، وقد كنت أول مدماك في بناء لبنان الحديث والمعاصر؟ أنا مدرك تمام الإدراك أني، قبل كل شيء، ابن هذا التراث الكنعاني العظيم، سليل أحيرام والشاهد الحق للمسيحيَّة الحق في هذا المشرق الذي انسابت منه الكلمة وعمَّت البشارة كل بقاع الأرض. لست بخائف مما يشاع ويقال، فأنا مدرك جيداً مضمون رسالتي ورسوليَّتي بين شرق وغرب، منذ أن مدمك يوحنا مارون كنيسة على اسم ذلك الناسك العظيم. كما وإني مدرك ما أنا عليه الآن، من ايمان بالله وانسجام مع النفس واعتراف بالآخرين... ومدرك أني متفاعل مع العالم ومتناغم مع ثقافاته ومعاناته، أعيش حالة الصلبوت في كل لحظة تهرق فيه نقطة دم على وجه الأرض، من جبال الشيشان الى فلسطين وجنوب لبنان، مروراً ببلاد الرافدين وأفغانستان. * أنا أدرك أن رومانيَّتي ليست قيصريَّة. إنها إثراء لي ولمن حولي في مشرقيَّتنا. وهذه، بدورها، فعل تنوير حضاري، ومساحة تلاقٍ انساني، قد يُتَّخذ أساساً لتصحيح المفاهيم التي يقوم عليها عالم اليوم المتعولم. لست بخائف من أحد على مارونيَّتي مما يقال ويشاع، لأن الحقيقة لا تضمحل وإن احتجبت الى حين. لكني خائف على مارونيتي من مارونيتي...! أجل أنا خائف على مارونيَّتي من مارونيَّتي. أخاف من إقطاع سياسي وديني، قد يقدِّم منافعه الخاصة على المصلحة العامة. أخاف ممَّن، كُرمى لعين سالومي إبنة هيروديا، قد يقَدِّم رأسي، من جديد، على طبق من ذهب. أخاف من الفرديَّة المتأصِّلة في أصحاب الحل والربط، والتي غالباً ما تستحيل تفرُّداً واستِئثاراً بالبلاد والعباد. أخاف من صغار النفوس والوشاة، من أولئك المتدافعين الى المقاعد الأماميَّة في شتى المناسبات. وكأن في المارونيَّة درجات وطبقات. أخاف أن تسقط "ثقافتي" أمام تعدد "المارونيات الثقافية" القائمة... من "المجمع اللبناني" الى جهابذة التبشير على شاشة ال Télé Lumière، مروراً بتعدد الجامعات والمناهج والولاءآت والآليَّات... والشعوذات. أخاف أن يستحيل الطقس طقوساً، فيعتريه انفصام. أخاف أن يزدوج المعنى الذي للإله الشخص، فيصبح عند البعض وثناً، وعند البعض الآخر شبهَ إله. أخاف من تعدد النصوص والترجمات... والفذلكات. أخاف... أخاف من تاريخ تجبَّرَت فيه الأنا وتعجرَفَت، فأفسدت المبادئ والقيم. أخاف من تاريخ استحال تراكماً انتقائياً بلا أفق. إن خوفي من مارونيتي، يجعلني أشعر بأني متروكٌ لأمري. وهذا ما يدفعني الى الخوف، في الوحدة، من التنين... من القبائل الضريرة؛ الخوف من غد آتٍ... من غد قد لا يأتي أبدا. أخاف من فجر الإمارة الأسود، الذي يتراءى لي كل ما استيقظ النور!؟ أنا الذاكرة الموشومة... والوشم وخز دهري لا يمحى. أخاف ؟! أخاف لأن "جغرافيا الإنتشار الماروني"، حسب ما رسمتها زيارات صاحب الغبطة، لم تشملني، كما لم تشملني، بالأمس، سياسات ونظريَّات، بعد أن ارهقتني ميليشيات... وحماقات...!؟ * لو عدت بالذاكرة الى زيارة صاحب الغبطة للجبل، يوم عرَّج على جزين "الصابرة"، عبر الدامور "المدمَّرة"، ودير القمر "الحصار"، والمختارة "خاتمة المدائن المنوَّرة"، دون سائر القرى والبلدات في إقليم الخروب وإقليم التفاح، وباقي الجبل والجنوب؛ لوعدت بالذاكرة الى تلك "الزيارة التاريخيَّة"، لوجَدْتُ أن بينها وبين مرور ذخائر تريزيا الطفل يسوع مفارقة: الأولى لم تحصل كما كان يجب رغم طول الإنتظار، أما الثانية فجاءت شبه عزاء. فبقدر ما أنحني أمام الصدّيقين، بقدر ما أدرك ضعفي. مرت تريزيا، ذات مساء، كما مرَّ، من قبلها، رحالةٌ وحجَّاجٌ ومبشرون، فتذكَّرْتُ أنّي ما أنا... أنا المنسيُّ على حافة هذا المشرق... وتذكَّرْتُ أن للناس أحشاءً وأطرافاً وأوجاعاً. كم وددت أن يمر الجميع من هذا المعبر الذي قطعه، ذات يوم، رسل ومبشرون، لتهتدي نينوى وتصير روما ما صارته، الى أن جاءت الحروب والنكبات، فكدَّسَت فيه البشر وقودا للضغائن والأحقاد. كم وددت لو أن صاحب الغبطة زار بيوت أولئك البسطاء، الذين أعادوا بناء منازلهم ومعابدهم ليبقى للبنان مبرر وجوده ومعناه؛ أولئك الذين ما انفك يطرح همومهم في عظاته الموصوفة. كم وددت أن يزور أولئك الذين وصف الرحالة، العابرون الساحل اللبناني الى الأراضي المقدسة، ذات مرة، أوجاعهم ومعاناتهم، وقد طال بهم الإنتظار. بالأمس، كانوا ينتظرون "راهباً لم يعد"، أما اليوم فهم ينتظرون كنيسة شربل ورفقا والحرديني، لا كنيسة الأمراء والوجهاء والمتسلطين، ولا كنيسة الرهبانيَّات المتباغضة ومعاهدها المتباعدة، ولا كنيسة الروابط والمجالس المتهافتة، ولا كنيسة الأحزاب والقوى السياسيَّة المتناحرة، ولا كنيسة الزعماء، اولئك المسترئسين بالفطرة... هم ينتظرون أنوار القيامة المارونيَّة المجمعيَّة المأمولة، والتي ربما تمكِّنهم من البقاء حيث هم، دون إحباط في النفس وخوف على المصير. صحيح أن الكثيرين رحلوا في "الزمن الجهنمي"، الذي عشناه طوال عقدين، لكن أسماءهم بقيت ههنا، مجمَّدة على الأشياء، تنتظر عودة الوصال. أيريدنا أحدٌ أن نلزم الصمت ونسمّي ذلك "غضب آلهة"؟ فيا آباء المجمع وفعلته، لا تدَعونا، نحن أبناء المناطق الأكثر تأثراً بالنكبة التي حلَّت بلبنان، من أقاصي عكار الى مشارف فلسطين مروراً بالجبل والبقاع؛ لا تدَعونا نشعر بالغربة والدونيَّة. فوالله والله، لولانا، لما كان ل"لبنان الرسالة" معنى حسياً، ولا ل"حوار الحضارات" واقعاً ملموساً، مهما كثرت الأطروحات وتعددت النظريَّات... ومهما بُحَّت حناجر الخطباء والوعاظ. لا تدَعونا نسقط في عقدة أننا هامشيَّون، وأن الكنيسة تبقى وتستمر، كنا أم لم نكن. صحيح أن في الجزائر كنيسة وأسقف، ولكن هل تقوم كنيسة في غياب المؤمنين؟ والمؤمنون أليسوا كل المؤمنين، رجال دين وعلمانيِّين، مشاكسين وموالين؟ وأنطاكيا، أين أنطاكيا التي نكرِّس أحبارنا على اسمها؟ * لا يفهمنَّ أحدٌ أني أريد أن أكون مارونياً على طريقتي، أو أني استنبط لاهوت تحرير جديد. أنا لا أريد إلا أن أكون معكم في الرسالة الحقيقيَّة ببساطتها ورسوليَّتها ومسكونيَّتها، وبمضامينها النسكيَّة والروحانيَّة. فأنا من المؤمنين بأن الكنيسة لا تقوم إلا على الودعاء والبسطاء، أولئك الذين يحلو للروح أن يحلَّ فيهم؟ فيا آباء المجمع وفعلته، تعالوا الى كلمة سواء في ما بينكم. إجمعوا أهل البيت. أعيدوا بناء ما تهدم في العقول والنفوس. أسقطوا عنا وثنيتنا... فالألواح هبطت قبل ألفين.إن روح يواكيم مبارك، الناسك الباريسي، العالم الذي جعل من المجمع هاجس العمر، تستصرخكم... فبالله عليكم لا تضيعوا فرصة العمر.أعيدوا الينا مارونيتنا بحلتها النسكيَّة وروحانيَّتها البهيَّة. أطلقوا "الكنيسة المارونيَّة المؤسسة"، الجامعة الحقيقيَّة للشتات اللبناني؛ هذا الذي يستجدي، كل يوم، حقَّه بالإنتماء. ثم أعيدوا الينا سياسة القادة الأبطال... اولئك الحكماء الذين عرفوا كيف تبنى الأوطان وتصان الكرامات. أثبتوا للشرفاء من حملة الرسالة المارونيَّة في العالم، وهم كثر، أنهم مستحقون، وأن كنيستهم الى جانبهم في سعيهم الرسولي. أوصدوا الباب في وجه صغار النفوس وأبناء الحاجة، وطالبي الأمجاد من مملكة، أقسموا زوراً أنها ليست مملكتهم؛ أولئك الذين ليسوا إلا "تحصيل دار" في زمن الإنفلاش وانحدار القيم. عودوا الى القرى والبلدات، لا سيما منها تلك التي عاشت الأهوال، بإرشادكم الرسولي، لعلها تتحصَّن في وجه الأخطار والأقدار، فتنموا أجيال على المحبة والعطاء والإعتراف بالآخر. ليكن إعلامكم صدى لفعل الإيمان، قولاً وممارسة، لا إستجداء لمجد، آليتم على أنفسكم، منذ أن عقدتم النذور، أن تجتنبوه. وفروا ما استطعتم من رعاية وتربية وعلم للمحتاجين من أبناء الوطن، أياً يكن هؤلاء، ومهما صغرت قدراتهم، علَّهم يدركون الرجاء. حمِّلوا عنا رابطات ومجالس ومؤتمرات... وعشوات ومناسبات. حرروا عقولنا من القيود المصطنعة والأنانيات. أعيدوا الينا التاريخ ومآثر التاريخ ونصوص التاريخ قبل ان تندثر...! أعيدوا الى الأجيال التائهة بلا أفق، والتي أفقدها بعض أغبياء التاريخ من الساسة وبعض رجال الدين، في سوء تدبيرهم للبلاد، المعنى الذي للحياة، وغريزة التعلق بالجماعة والوطن، وحتى الإيمان بالله؛ أعيدوا الى تلك الأجيال، وقبل فوات الأوان، بعض رجاء. أعيدوا الينا مارون الناسك. حطموا الأوثان. أوقفوا جهابذة الجهل والتجهيل، وكل الزاحفين الى مواقع السلطة حيث مقابر القيم، رجال دين كانوا أم علمانيين. أفضحوا المسحاء الكذبة وكل الدجالين في زمن باتت فيه العودة الى القيم ضرورة مثلثة الأبعاد: شخصية وطنية وإنسانيَّة. * عندئذ، وعندئذ فقط، يصبح بإمكاننا أن نسترد هويتنا الضائعة، تلك التي عبثت بها الحرب، فاندثر تاريخ ومعتقد وتشوهت قناعات؛ الهوية المشرقيَّة الرسوليَّة البنَّاءَة، التي نعتزُّ بها، والتي نشترك على أساسها، مع إخوان لنا: أولاً، في إعادة بناء مجتمعنا اللبناني على مفاهيم وقناعات، تتصدرها قيم الحق والعدالة والحريَّة. ثانياً، في تثبيت الذاتيَّة التاريخيَّة للبنان، الذي أردناه ونريده، وطناً نهائياً لكل أبنائه، سيداً حراً ومستقلاً، في إطار بيئته المشرقيَّة العربيَّة، المنفتحة على العالم، عبر المدى المتوسطي الأرحب. ثالثاً، في تأسيس دولة حق لا شريعة غاب، تقوم على مفهوم المواطنيَّة ووحدة الولاء في إطار إحترام حريَّة الأفراد والجماعات السياسيَّة والدينيَّة، فيسترجع بها لبنان، ليس فقط موقعه، بل رسالتَه الحضاريَّة، ليكون الأنموذج والمثال لمشرق عربي أرهقته النكبات، ولعالم متعولم، أربكته فوبيا الإرهاب، فأضاع كل ما استساغ من إنجازات. أعيدوا الينا هويَّتنا المشوَّشة بين سياسة جهلٍ وجهل ساسة؛ أعيدوا الينا كرامتنا، لنسترد ما اتّصفنا به من حكمة وعِلم وانفتاح. أعيدوا الينا الروح، أعيدوا الينا الأمل...! لقد طال بنا الإنتظار. كلهم ينتظرون، في الوطن والمغتربات، الأجيال الطالعة وتلك التي لم تولد بعد. الجيَّة في 1. 1. 2004. ناصيف قزي* دكتور في الفلسفة استاذ الفكر العربي المعاصر والأخلاقيَّات كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة (2)/ الجامعة اللبنانيَّة أمين النشر في الحركة الثقافيَّة-انطلياس/ من مؤسسي ومسؤولي اللقاء الفلسفي في لبنان ـــــــــــــــ * د. ناصيف قزي/ الجيَّة/ قضاء الشوف/ لبنان هاتف/ 913626 04 - 913627 04(+ فاكس) خلوي/ 688011 03 بريد الكتروني/ nassifazzi@hotmail.com |
|||||||||||||||||
——————————————————————————————————————————— JiehOnline® For more info please email webmaster |